عرض مشاركة واحدة
قديم 21-04-09, 04:41 AM   رقم المشاركة : 14
لينو
مشرف سابق
الملف الشخصي







 
الحالة
لينو غير متواجد حالياً

 


 

رد: قصص قصيرة نسائية من الأدب العربي السعودي (متجدد).




احمل اليوم في جعبتي قصه للكاتبه \ بدرية البشر

مكان الميلاد: المملكة العربية السعودية المنطقة الوسطى الرياض
- ماجستير في الآداب – علم اجتماع جامعة الملك سعود
- محاضرة بجامعة الملك سعود بقسم الدراسات الاجتماعية
- كتبت في جريدة اليوم بالدمام زاوية أسبوعية تحت عنوان ( نصف الضجيج ) من 1991 – 1993م
- كتبت في مجلة اليمامة زاوية أسبوعية تحت عنوان ( في ظلها ) من 1996 – 1998م
- جريدة الرياض-زاوية ربما
- سيناريست قصة فيلم سينمائي عن المملكة، و طاش ماطاش
لها
1/ نهاية اللعبة – مجموعة قصصية – دار الأرض – الرياض 1993م
2/ مساء الأربعاء – مجموعة قصصية – دار الآداب – بيروت 1994م
3/ الحياة الاجتماعية في نجد – دراسة سوسيولوجية تحليلية – تحت الطبع
4/ حكاية السدرة – رواية – تحت الطبع



من قتل رفعة



عندما ماتت رفعة انطفأت آخر الرغبات البشرية في صدور أهل قرية الحزوم وبالذات في صدور نسائها ولم تعد تتقد نار الثأر من رفعه فعندما يموت المرء تشف ذكراه ويذوب حضوره البشري ، لا يعود مهددا لنا لأنه الأجمل أو الأفضل بل يصبح كائناً ضعيفا لأنه يموت مثل كل البشر خفيفا لأنه لا يعور يزاحمنا على الأرض .
لم تعد نساء القرية من رفيقات رفعه يذكرن غير لمعة عيني رفعه بالحياة وشقاوتها وحبها للمزاح ولم تعد نساء القرية يشتعلن غضبا وهن يذكرن أفخاذ رفعه وهي تتكشف أمام رجالهن وصدرها الناهض بالفتنة حين تداهمها نوبات صرعها المسكونة بالجن ولم يعد الرجال يفكرون بجسد رفعه كذكرى قابلة للامتلاك لأن رفعه دخلت في خفة الغيب وصارت ذكراها بعد أربعين يوما من موتها تبعث انقباضا في الروح غير مفسر .. وتحيل النسائم الباردة إلى لفح سموم .
عندما جاءت رفعه إلى قرية ( الحزوم ) كانت في الرابعة عشر من عمرها لم تعي بعد حيل النساء الماكرة والغمزات المستورة في الحكايات الماجنة ولم تعي بعد فائدة الوصايا الذهبية التي يفتلها النساء في روشن ( أم عامر ) والتي كانت تثير مرحاً فياضاً بين النساء في حين يزبد ذلك من خجل رفعه ودهشتها الغبية بالأمر .
كانت ( أم عبد الله ) والدة زوج رفعه ترقب خجل رفعه التي كانت في كل ليلة تتمدد عند طرف سجادتها وهي تصلي صلاة العشاء الأخيرة وتدخل في نعاس خفيف لا تلبث أم عبد الله أن تهش نوم رفعه طاردة إياها برفق نحو غرفة زوجهما مذكرة إياها أن الزوجات الجديدات لا يليق أن يتركن فراش الزوج فارغا في أيامهن الأولى دون سبب ، إلا أن رفعه لم تكن تطلب أكثر من ذلك السكون عند سجادة ( أم عبد الله ) لتبعث في نفسها بعضا من الطمأنينة التي كانت والدتها تمنحها إياه في الليالي القديمة في قريتها فقد كانت رفعه تعاني من هجمات كابوس تتكرر في كل ليلة يبدأ عند أول غفوتها حيث ترى نفسها في وادي ( الرمحية ) تلقط الحماض وتضعه قي ردنها وغنماتها السبع يتفرقن خلف شجر الطلح والسرو ويقلعن النفل والجنباز والبقرا العشبية وأصوات رفيقاتها تتنامى إلى سمعها بالقرب منها ، والجبل الصخري الطويل للعارض النجدي يرجع صدى ضحكاتهن ، كان ، الوادي الصخري قد جف ماءه وتلون بطنه بزهر الربيع البري بين البنفسجي والأصفر والأبيض .
كانت رفعه تسمع صوت خفيف لحصى يتدحرج ثم لا يلبث الصوت أن يعلو .. بدا صوتا لثوب عملاق طويل يكنس الحصى ، وفي اللحظة التي اقترب الصوت عاليا من خلف رفعه وقبل أن تلتفت هبطت يداً عملاقة وقبضت على خاصرة رفعه وهصرتها وهي ترفعها للأعلى ورفعه تختنق ، فتقوم من حلمها وقد آلمها صراخها المكتوم الذي لم يسمعه أحد .. تقوم فزعة خجلة من زوجها الجديد وخائفة .
عندما جاء عبد الله لخطبتها لم يخبرها أحد لكنها سمعت أباها يتحدث بما يشبه الاعتذار لخالها أبو سلمان :
- يا بوسلمان ولدك سلمان في طريق علم طويل وفي غربة والبنت جاها نصيبها والعرس قسمه ونصيب .
عندما عادت رفعه من درب بئر الماء وجدت أن خرافها قد جزت رقابها وسحبتها يد ( مرزوقة ) جاريتهم السوداء الطويلة من يدها ودلكت شعرها بالحناء وغسلت جلدها بالسدر ومشطت شعرها بالزباد والورد ولفتها بعباءة أمها الطويلة وأدخلتها غرفتها وجلست (مرزوقة ) السوداء تخبرها عن رحلة عمرها الطويلة وعبث الرجال مع النساء وجهل الفتيات الصغيرات ولم تعرف رفعه ما لذي جعل مرزوقة تتذكر قي مثل هذه اللحظات مآسيها القديمة .. لم تكن رفعه تدري أن تلك القصص ستصير حكمة عهد جديد ، عهد غربتها ووحدتها في قرية ( الحزوم ) الجديدة .
كان لابد لها أن تنسى ( الرمحيه ) و (سلمان ) ورفيقاتها في الوادي لتشفى وليسهل عليها اعتياد سواليف روشن (أم عامر ) زوجة أمير (الحزوم ) ونكات أم فهاد السالم ، فحكايات النساء تداوي كل شي ، تغذي الأفواه بالخبز وتغذي الروح بالبهجة وتقاسم الأسرار ..
وقد كبرت رفعه قي العامين التاليين بسرعة .. صار لها جسداً أكبر وروحاً أزهى من ذي قبل ، وصار لجسدها مطالب جديدة علمتها أنها امرأة ولروحها نظرة أخرى في الحياة فرتبت كل شيء من على هوى روحها الجديدة وضغطت روحها القديمة لتهبط في بئر عميقة بلا قرار .. ردمت حسراتها معها وجلست روحها الجديدة فوق فوهة البئر .. رتبت الحزوم وبيتها ورفيقاتها مما اسعد (عبد الله ) ووالدته أن يريا رفعه وقد تغيرت ، وفسروا ذلك بأنها اعتادت حياتهم الجديدة وكسبت أم عبد الله ابنه جديدة .
صارت رفعه فتنة الدرب إذا مشت مح رفيقاتها نحو مزارع العامرية الواسعة ليسبحن أو يتسلقن شجرة ( البمبره ) وينفضن ثمارها أو يجمعن ثمار النبق الحامض بجوار الساقية الشمالية!، وحين يجلبن الماء من البئر ، تتعلق عيون الشباب المارين ، برفعه وحدها دون النساء .. كانت تسعد رفيقاتها برفقتهن لكنها توقظ في صدورهن غصة غيرة دامية .. يحرقهن الاقتراب منها بقدر ما بسعدهن لأنها قادمة من تاريخ غامض يجهلنه ولا يمنحهن معرفة صغيرة يشفين بها غيرتهن فهي ليست مثل نساء القرية تجمعهن قرابة الدم والنسب معاً ، وتعرف كل واحدة منهن نقيصة الأخرى ومواطن الضعف في طفولتها أو صباها ، فيتعايرن بها وينهش بعضهن حين تحين فرصة لذلك ، لذا ظلت رفعه بعيدة عن الهمز واللمز فيما كانت كل واحدة منهن مرعى لنميمة طارئة أو سخرية دامية تنتهي بقبول صاحبتها أن هذا هو واقع الرفقة .
في اليوم الخامس عشر من شوال حين اكتمل القمر الأول بعد رمضان كان النشمي قد أعلن لأهل الحزوم أنه سيزوج ابنه فلاح من ابنة عمه جهير ، وفي مساء ذلك اليوم اعتبر كل فرد في قرية الحزوم أن عليه واجب العون والمشاركة في الاحتفال .. الكل ذهب ولم يبقى أحداً في بيته .. في تلك الليلة رقصت رفعه كما لم ترقص امرأة في الحزوم .. ضمخت ظفائرها الرطبة برائحة الحناء والزباد .. أسدلت غيمة من الشعر البني على وجهها ، ونفضت عن روحها تراب الوقت في دومة غناء السامري الذي راح يجر غصون قلبها جراً في غناء جماعي لفرقة الطبول الدوسرية ( يا جر قلبي جرا لدنا لغصوني .. وغصوني سدرا جرها السيل جرا)
تأخرت رفعه ذلك المساء عن البيت ، كان الليل حراً لها في حين عادت أم عبد الله وفرشت فراشها في الركن القصي من غرفة التنور ونامت .. عندما دخلت البيت لم تفطن لمنن كان يرصدها .. هبت نسائم باردة أطفأت جسدها الفائر ببهجة الرقصة وكشفت عن نحرها اللامع من العرق الساخن .. فاحت رائحة الورد والزباد من شعرها الرطب .. نشرته خلف ظهرها وفتحت صدرها لتبترد .. مشت نحو شجرة السدرة لتشرب من القربة التي كانت معلقة في غصنها .. كان هو واقفاً عند القربة .. أصابه العطش فجاء ليشرب هو أيضاً .. رآها ووقع في عشقها .. لم يقاومها فسكن في جسدها وترك رحلته الشمالية .
قالت أم عامر :
- دخل في جسدها فغشي عليها عند السدرة في تالي الليل .. كان بسم الله علينا وعليك من الجن مسلم قادم من اليمن ذاهباً إلى الشمال ، وقالت أيضاً :
- أن الجني المسلم حين يكون في أقصى حالاته أن كان فرحا أو طربا أو هلعا أو حزنا ، لذا يلزم المسلم أن يذكر اسم الله في كل حالاته ’’ ولا تأخذكم أرواحكم لمنتهاها فتشف وتضعف ‘‘
لم تعد رفعه كما كانت من قبل لاسيما بعد أن يصرعها الجني قالوا أنها تغيرت كثيرا .. صارت نزقه وصفراء اللون .. قالت (أم عبد الله ) أنه لم يكن أكثر من الوحام الذي يداهم النساء الحوامل لكنها تحيض كل شهر وبطنها لم تنتفخ و عبد الله كف منذ ذلك اليوم عن معاملتها كما يفعل الأزواج قالت أم عامر إن الجني كان يصرعها كلما رأى عبد الله زوجها وقالت أيضاً إن الجني يعذبه أن لا تكون له وحده وعندما جاءوا بمملوكهم الأسود ( مشرف ) ووضع رأس رفعه تحت إبطه الأسود أخذ الجني ينفض جسدها كما الريشة هدده (مشرف ) أن يخرج وإلا قتله برائحته .
تضحك أم سعود وتشرح لبناتها إن الجن بسم الله علينا وعليكن لا يحبون رائحة الإبط الأسود يالله في رجاك يا رحمان
عندما وجدوا جسد رفعه طافحاً على وجه البئر عرفوا أن الجني قد صهر رقبتها ورمى بها في البئر ، فالجن حين يضطر لمغادرة الجسد لا يسمحون له بأن يكون لأحد غيرهم وربما أنه لم يسامح ( مشرف ) الذي تهدده بأن يقتله بالرائحة فرمى بجسد رفعه كالخرقة فليهنأ به .
كانت روح رفعه تدور بالقرب من القرية .. ثوبها الطويل يكنس الأقوال التي تدور حولها كما كان ذلك العملاق يكنس الحصى في حلمها القديم وقبل أن تقفز في البئر للمرة الأخيرة سمعت مزنه بنت فواز روح رفعه تحدث موضي زوجة أخيها فوق سطح
دارهن كما كن يفعلن في الأماسي الرطبة الماضية قائله :-
- إن عبد الله هو من ذبح رفعه .. شهقت موضي .
- اسكتي لا يسمعك أحد !
- أقول لك إن من كسر رقبة رفعه ليس الجني بل عبد الله ، لم تعد للبيت يوم عرس ابن النشمي .. لقد ذهبت يومها لملاقاة (سلمان ) الذي عاد من الرياض .. عند البئر لم تنسى (سلمان ) ، ولولا أنه لم يأت إليها لذهبت هي إليه .
إن الجني الذي اختبأ عند السدرة كان عبد الله .. لقد رآها وهي تقابل سلمان ، وعندما رأته شعرت أنه عرف كل شيء .. قفز قلبها ودخلت في غشاوة طويلة .. هو لم يقتلها في ذلك اليوم .. خاف من كلام الناس والفضيحة التي ستعلق باسمه وسيتحدث الناس عنها وقت طويل وحين رأى عبد الله بعد شهور من دوامته الشقية (رفعه ) بقرب البئر لوحدها كان يعرف أنها لم تعد زوجته كما قي الماضي ، لكنها لن تعود لسلمان أيضا ، لذا داهمها من الخلف .. سمعت رفعه تدحرج الحصى تحت قدم عبد الله ، لم تتمكن من الالتفات خلفها ففي اللحظة الأخيرة قبض على رقبتها من الخلف .. ضغط عليها بشدة حتى غابت أنفاسها وارتخى جسدها نحوه فدفع به نحو البئر .
دفعت (موضي ) بيد (مزنه ) قائلة : ستخرفين قريبا يا مزنه اذكري الله كلامك ينثر الدم في وجه الرجاجيل .. ضعي لسانك في فمك ونامي .
سمعت مزنه صوت حصى يتدحرج .. نهضت لتطل من جدار السطح القصير .. شاهدت ضوء نجمة منحدر يومض .. عند رأس البئر لمعت النجمة في عين مزنه ثم انطفأت كأن شيء ما يودعها .



انتهت







التوقيع :
كل شيء مسموح به الا الغدر ...

حسابي بتويتر : Lino_818@