عرض مشاركة واحدة
قديم 04-05-09, 04:43 AM   رقم المشاركة : 17
لينو
مشرف سابق
الملف الشخصي







 
الحالة
لينو غير متواجد حالياً

 


 

رد: قصص قصيرة نسائية من الأدب العربي السعودي (متجدد).

هداية درويش سليمان


كاتبة وصحفية سعودية ، حاصلة على بكالوريوس الاداب فى الخدمة الاجتماعية من جامعة الملك سعود عام 1406 – 1407 هـ
ـ التحقت بالمكتب النسائى لجريدة الرياض حيث عملت كمحررة لسنوات انجزت خلالها العديد من الاعمال المتميزة ( تحقيقات – لقاءات – ندوات – تغطيات )
ـ انتقلت الى جريدة عكاظ حيث ترأست المكتب النسائى للجريدة فى مدينة الرياض .
ـ أول مراسلة لوكالة الانباء السعودية ..


اغتيال


-قالت: تزوجيه ... فلن تجدي عريساٌ أنسب منه.
- قلت: ولماذا لا تتزوجيه أنت ؟ فأنت أختي الكبيرة وأنهيت دراستك وحصلت على شهادة جامعية .. وتعملين ... لماذا أتزوجه أنا ؟
- قالت : أمه اختارتك أنت ... وشهادتي التي تتحدثين عنها مدفونة هناك في واحد من الأدراج يعلوها الغبار .. أما وظيفتي فسوف أتنازل عنها إذا جاءني العريس المناسب .
- قلت : ولكني لم أتجاوز الخامسة عشرة.
- قالت : أمنا تزوجت في الرابعة عشرة . وأنجبتني وهي لم تصل إلي عمرك .

حوار قصير ... كان بالنسبة لي كافياً لأقبل ... بل لأقتنع بالعريس الذي تقدم طالباً الزواج مني ، وقد وافقوا أهلي عليه ووجدوا فيه الشخص الأنسب لي ... لا يهم ، فإن كل ما يعنيني في الأمر .. هو أنني لن أذهب إلى المدرسة ، ولن البس ذلك ( المريول) الذي أكره لونه .... وقصته ... والأهم من ذلك هو أنني لن أكون بحاجة إلى مراجعة دروس الرياضيات والإنجليزي ... ولن تنهرني أمي إذا قصصت أطراف شعري، أو سهرت مع برامج التلفزيون ... الحمد لله ... سوف أتخلص من كل هذه المنغصات ... سأقص شعري، وأضع الكحل في عيني، والأحمر على شفتي، وألبس حذاء له كعب عال ... ولن يكون بوسع شقيقتي أن تصرخ في وجهي ... ولا أبي ولا أخي كذلك .

فأنا لسوء الحظ الابنة الصغرى والكل حولي كبير .. وآمر .. وناه وفاهم أكثر مني ، فأنا كما قلت " الابنة الصغرى" .

تم الاتفاق سريعاً ... وأخذ الأهل يدخلون في تفاصيل كبيرة .. وصغيرة ... وبالطبع لا يسمح لي بالاشتراك فيها أو حتى حضور جلسات النقاش ... " فأنا مازلت صغيرة" .
يوم الملكة .. يوم الزفاف .. ومواعيد محددة لكل منهما ...
أصبح هناك جديد في كل يوم ... ملابس للسهرة كثيرة ومصاغ ... وأحذية .. وملابس للنوم ومناشف وأشياء فرحت بها ." أه لم يسألني ولم يأخذ رأي فيه ، وأنا بدوري لم أعلق على شيء "فأنا لازلت صغيرة" .
كل يوم كانت تصحبني أمي وأخواتي لقياس فستان الزفاف ... قائلة لصاحبة المشغل .. " أريد أن يطول قليلاً من هنا … وأن يزداد ضيقاً من الخصر ... وذاك الجانب لماذا لا يتساوى مع الجانب الآخر" … وأنا صامته متفرجة ، متابعة لأختي ، تخيلت نفسي شماعة يعلقون عليها الفستان ويدورون حوله ... لم أعترض ... فليفعلوا بي ... ومعي ما يشاءون ويلبسوني ما يشتهون غداً لن يكون لهم حكم علي . سيصبح لي بيت وزوج وأقلام كحل ... وأحمر شفاه .

أنهت عائلتي كل المهام ... وبدأت الاستعدادات ليوم الزفاف ولو سألوني لغيرت أسمه ولأطلقت عليه يوم "الخلاص " أو "الفكة" من كل شيء "جربي هذا الحذاء" "وأذهبي لقياس هذا الفستان وهل يناسب إصبعك هذا الخاتم"؟ … وأعود للنوم فليس أمامي بعد ذلك غيره ... فالمطلوب مني الراحة والأكل .. وشرب ما يأتون به من عصير لاحتفظ بوجه مشرق استعداداً ليوم " الخلاص " أقصد يوم " الزفاف".

وجاء اليوم الموعود.

تجمع الأهل في بيتنا ... وجاءنا أقارب لم أرهم من قبل، وفتيات من الأسرة لم يكن يسمح لي بالجلوس معهن ، لم أكن أعلم أن في أسرتنا هذا العدد من النساء والفتيات ، تلك تمازحني وهي تجرب أن تفك ظفائري ، وأخرى تجرب ألواناً غريبة تصبغ بها وجهي ، أنا أضحك من قلبي خاصة أنني بعيدة اليوم عن الرقابة ، أمي مشغولة بالضيوف وشقيقاتي بالاستعداد لحفل الليلة.

كان مساء رائعاً .. ارتديت فيه الفستان الأبيض بعد أن قامت الخياطة بتنفيذ أوامر أمي وشقيقتي ، وأصبح كما سمعت جميلاً أبدوا فيه واحدة من العرائس التي يرونها في مجلات الأزياء ... حقاً كان مساءً متميزا ... فقد اقتربت أمي على غير عادتها وضمتني بحنان لم أتعوده منها .. وأبي كان صامتاً لم يحادثني بل تقدم مقترباً مني ... وقبل رأسي وأوصاني بنفسي وزوجي ... وشقيقاتي لم تنهرنني ولم تطلبا مني غسل وجهي مزيلة تلك الألوان التي وضعتها عليه المرأة التي أتوا بها لتمشيط شعري "يا إلهي .. هل من الضروري أن نقيم احتفالاً كي نقترب من بعضنا .. كي تضمني أمي ويقبل أبي جبيني .."
بفرح العمر كله .. وبتفاؤل الخمسة عشر ربيعاً عشت تلك الليلة ... مشيت مزهوة بثوبي الأبيض ... وحذائي العالي .. ووجهي المرسوم .. وبالعطر الذي رشتني به قريباتي .. آه ما أجمل كف يدي وأظافري التي نالها الاهتمام وتلونت بلون أحمر طالما تمنيته .

جلست وسط فرح الأهل .. والحاضرات على مقعد أُعد خصيصاً لي وأخذت أرقب بزهو كل هذه الأعداد من النساء اللاتي جئن من أجلي ... نعم من أجلي ... ولرؤيتي .

تجاوزت الساعة منتصف الليل .. قد تكون الواحدة ، توقعت عندها أن تأتني أمي فتأمرني بترك مقعدي والذهاب فوراً إلي غرفتي ، فقد تأخر الوقت وسهرت ما فيه الكفاية وعلي أن أذهب للنوم " فأنا لازلت صغيرة " ولكن شيئاً من هذا لم يحدث ، حمدت الله أن تركوني أسعد بتلك الليلة دون نهر أو تأنيب .
كنت غارقة في التفكير عندما أفقت على صوت همهمات تدور حولي ورأيت أختي قادمة نحوي لتقول إن العريس سوف يدخل إلي القاعة يصحبه أبي وإخواني وخالي ، ازداد فرح الحاضرات وارتفع غناءهن وتصفيقهن ولكن .. عجباً لم هذه الدموع التي تملأ عيون أمي ؟ ترى هل تشاجرت مع أبي…؟ وشقيقتاي لم تبكيا ؟ ماذا حدث ... لم البكاء هذه الليلة ... هل مات خالي المريض ؟ هل فعلت أنا ما يغضبهم "اللهم أجعله خير".

جلس العريس بجانبي .. هذه المرة رأيته عن قرب لم يكن كبيراً في العمر كما كنت أظن .. كان يصغر أبي ، هادئاً وسيماً يرتدي مشلحاً أسوداً طالما أحببته على أبي وإخواني ، لم يتحدث إلي بل كان ينظر ناحيتي من وقت إلى آخر ويبتسم ، يبدوا أنه غير غاضب من بقائي هذه الليلة ساهرة إلى هذه الساعة من الليل … " الحمد لله" ولكن لا زلت أرى الدموع في عيون أمي … ولا زال أبي متجهماً . لم تطل جلستنا .. عاد أبي وإخواني ليسيروا بنا نحو صالة العشاء … ومنها إلي السيارة … تلك السيارة الفخمة التي أخذتني بعيداً عن كل ما كان …. أحسست أن هذا الطريق الطويل الممتد أمامنا يبتلعني … شعرت فجأة بالخوف … بالغربة … بالضياع …لم يعد هناك أضواء … ولا نسوة يصفقن .. ولا فتيات يرقصن … ولا أطفال .. ولا … ولا… حتى أمي تركتني أذهب دون أن تودعني … وأبي لم يسلم علي … يا إلهي … ما هذا الطريق الطويل؟ ولم هذه الرجفة التي أصابتني ؟ وقفت بنا السيارة أمام بوابة كبيرة … عبرناها لندخل بوابة البيت … نعم تذكرت هو نفس البيت الذي أتيت إليه ثلاث مرات مع أمي واخوتي ، رأيت غرف النوم فيه والمجلس والمطبخ … وملحق الخادمة والسائق نعم إنه بيتي " أمي قالت لي ذ لك حقاً أنه جميل. سبقني هو إلى المدخل … وكانت خادمتان تقفان بانتظارنا … وصل إلي منتصف السلم المؤدي إلى الطابق العلوي … وقف والتففت فجأة وكأنه تذكر أن هناك من يتبعه .. "حسنا أحمد الله إنه لم ينسني "... صعدت خلفه السلم .. الذي وقف هو عند نهايته مشيراً إلي باب قريب قائلا ً:
- هذه غرفة نومنا ... هل رأيتها قبلاً ؟
- نعم أتيت مع أمي … ورتبت ملابسي .
- هل أعجبتك؟
- نعم هي جميلة .
- بدلي ملابسك وسوف أنزل لأطلب من الخادمة إن تعد لنا شيئاً نشربه .

دخلت غرفة النوم ...كم هي رائعة.. واسعة .. مرتبة ... هادئة الألوان .. مفروشة بالحرير ... وذاك الركن البعيد الذي أعد لشخصين هو في غاية الجمال … إن كل شيء يبدوا رائعا هنا.
أخذت من خزانة الغرفـة قميص نوم أوصتني أمي أن ألبسـه حيـن أنزع ثوب الزفاف ... دخلت إلى الحمام الملحق بالغرفة ... وأغلقت الباب بالمفتاح ... وبهدوء أخذت أفـك دبابيس شـعري ... وانـزع الفستان الثقـيل عن جسـدي .. ووقفت أمـام نفسي لأول مـرة ...أهذه أنا ؟ شعري الذي ينسدل بدلال على كتفي ؟ وبشرتي الصافية ؟ وعنقي ؟ كم هو جميل . بدوت كفتـاة حلمت أن أكـون يوماً من الأيام مثلها كانت على غلاف مجلة ملونة ... كم كانت جميلة تلك الصورة .

ولكن… أنا اليوم أجمل ... غريب أنني لم أرى نفسي بهذا الجمال من قبل ، قد يكون السبب ذاك القميص الذي ألبسه أو شعري الذي انساب على كتفاي وقد تحرر من الأشرطة والدبابيس ، أو قد يكون السبب هو أن الفرصة لم تسنح لي أن أرى نفسي في المرآة بتأمل قبل اليوم .
- نوره
لم يكن صوت أبي ... ولا أحد من أخواتي ، بل هو زوجي الذي أخرجني من تأملي لوجهي … "يعلو الصراخ للمرة الثانية"
- نوره
- هاأنذا .. " فتحت الباب وخرجت وأنا ألملم أطراف قميصي"
- ماذا تأخرت .. ألا تسمعين ندائي ؟
- نعم، كنت أبدل ملابسي .
كان يجلس ... في المكان المعد خصيصاً لشخصين في ركن هادئ شديد الروعة وأمامه الطاولة وقد امتلأت بأصناف من الطعام والشراب، وأكواب ... زجاجات ... صحون صغيرة لم أرها من قبل … حسناً يبدو أنني سوف أرى الكثير هنا .. وسوف أجرب الأكثر .
- كم أنت جميلة ... بل رائعة أيضاً .
- .....................
- ألا تشربين ؟
- نعم أريد نعناعاً
بضحكة عالية هزت أركان الغرفة أجابني :
- كنت أعلم أنك صغيرة ... ولكن لم أكن على علم بأنك "خبلة"
- "خبلة" ليش؟
- جربي معي كل شيء اشربي ما أشرب وكلي ما آكل واقتربي مني أكثر .
- ما يخالف ..
- " صب لي بضع قطرات من زجاجة أمامه في كوب كنت أمسكه بيدي".
- آلا تملأ الكوب ؟
ضحك بصوت أعلى واقترب مني قائلاً:
- جربي يا " خبلة "
- وجربت
لم يكن نوعاً من العصير .. ولا نوعاً من الشاي ولا النعناع .. ولا.. بل هو نار ألهبت حلقي .. وأشعلت صدري وانتفضت محاولة الفكاك من بين يديه ... ولكن كانت يداه طوقين من فولاذ تحيطان بكتفي .
- ماذا فعلت بي .. ماذا سقيتني ؟ بل ماذا تشرب ؟! اتركني أريد أن أبحث عن كوب
ماء أزداد الطوق إحكاماً حول كتفي .. طالباً مني صاحبه أن أهدأ وأن أجرب مرة
أخرى .
- جربي في المرة الثانية ستجدينها أسهل ، وفي الثالثة ستسعدين بها .. والرابعة
ستجعلك ترين الحياة أجمل .
- لا أريد حياة ولا سعادة تشعل النار في صدري .. فكني دعني أذهب .
- لا لن أدعك تذهبين .. أبقى كما أنت وراقبيني فقط وأنا أشرب ... وأشهدي بنفسك ما يفعله شراب أشعل النار في صدرك .. أبقي لترى سعادتي .. سعادتي وأن أحلق في دنيا بعيدة عن الهموم .
استمر في الشراب .. كوباً يملأه بالشراب اللعين ويفرغه في جوفه دفعة واحدة .. ثم يعود ليملأه من جديد .. ساعات مرت كأنها دهر .. حاولت خلالها الفكاك أكثر من مرة ولكني فشلت .. إلى أن وجدت ذراعيه أقل تمسكاً بكتفي . أنزلت جسدي بهدوء وأخذت أحبو على الأرض إلى أن وصلت إلى الحمام ، فثمة شيء ما حدث لأمعائي . روائح كريهة انبعث من ذاك الشراب والدخان جعلت الأرض تميد بي ... بصعوبة وقفت أمام حوض الغسيل حيث رأيت وجهي قد تلطخ بالأسود والأحمر.. وشعري قد تبعثر. غسلت وجهي .. ولملمت شعري … أفرغت ما في جوفي ... ومشيت خطوات أريد أن أصل إلى السرير ... أرتمي عليه … أريح جسدي المتعب وقلبي الذي يرتجف هلعاً … ولكن ما هي إلا خطوة ... وجدته قادماً نحوي يجرني بعنف أمامه "عندها علمت أن معاناتي لم تبدأ بعد" فقد قذف بي كطير كسيح إلى السرير مهمهماً بكلمات لم أفهم منها شيئاً ، ارتمى فوق جسدي النحيل لم يكن رجلاً من فعل بعظامي ما فعل ... بل هي جدران البيت التي سقطت فوقي ... سحقت عظامي ... وداست آدميتي ... لم أقاوم فقد أيقنت أن ذاك هو قدري ... وتلك نهايتي ... وبطاعة عمياء عودتني عليها أمي ... وأمرني بها أبي رأيت أن علي أن أصمت ... حتى ولو ذبحني زوجي .
طويلة كانت تلك الليلة ... قاسية ومدمرة تلك الصدمة الأولى التي تعرضت لها . لم أنم ... ولكني فقدت الوعي ... أفقت قرب الظهيرة أتحسس مواضع ألم في جسدي ... يا إلهي ... ما لذي أراه ؟ بقعاً زرقاء علي كتفي وكدمات داكنة على ذراعي ! وثوبي الجميل الذي كان بالأمس … ممزقاً !! … إذاً لم يكن حلماً ماعشته بالأمس ، بل هو حقيقة ما حدث في الليلة الأولى من" اعتقالي" كنت أظن أن خروجي من بيت أهلي" إفراج" عني وإذا بي أعتقل … أعذب في سجن كل ركن فيه يوحي بالترف ، ممددة على السرير … لا أريد أن أتحرك … بل لا أستطيع أن أتحرك عندما سمعت صوتاً رقيقاً يقول لي
- نوره" كيف أنت ... عساك طيبة ... نورت بيتك ... عسى ما أكون أذيتك بالأمس
والله ما كنت صاحي".
لم أستطيع أن أنبس ببنت شفة ... سكت ألماً ... وخوفاً ... منه ... ومن كل ما حدث جاء إلى جانبي ... رفع رأسي الصغير على يديه كطفلة يريد تهدئتها وقال:
- قومي يا نوره غسلي وجهك وبدلي ملابسك وتعالي نفطر ... نوره ... إيش فيك
.... زعلانة ... آسف تراني غلطان سامحيني .
لأول مرة في حياتي أسمع مثل هذا الحوار " سامحيني ... غلطان ... آسف" نظرت إليه لأتأكد من أنه هو " محمد" آه ، نسيت أن أقول منذ البداية أن أمي قالت أن زوجك أسمه " محمد" رأيت وجهاً هادئاً ... وعيون حانية ويدين تحيطان بي بكل حب . تحركت من مكاني لأقترب منه أكثر وقلت إني بالفعل متعبة وبحاجة للراحة ، فقال:
- سوف أجهز لكي ماء ساخنا لتغتسلين وبعدها يذهب التعب .

غاب دقائق .. ثم عاد ليرفعني بين يديه عصفورة خائفة... يبللها المطر ...متوجهاً بي إلى الحمام قائلاً ... لن أزعجك ... سأغلق الباب وأدعك تأخذين حمامك بهدوء.

يا إلهي أهذه أنا التي كانت بالأمس ؟… أهذا عنقي الأبيض ووجهي التي كانت تضيئه الفرحة ؟... وشعري الذي كان ينسدل على كتفي ؟... ما أبعد اليوم عن الأمس ... طرقات خفيفة على باب الحمام ... " نوره ... ملابسك عند الباب .... افتحي وخذيها" فتحت الباب أخذت ملابسي ... وأخذت حماماً ساخناً ورتبت شعري ولبست ما اختاره لي من ملابس .
كان وجهي خاليا من أي مساحيق .... وشعري معقوصاً إلي الخلف وكأني كنت أستعد للذهاب إلي المدرسة فتحت باب الحمام ... وجدته أمامي في نفس مكان الأمس واضعاً أمامه صينية الفطور والشاي.
- تعالي إلى جانبي ، إيش بك وجهك مصفر ؟
- أنا تعبانه شوي
- " افطري واشربي الشاي وتصيرين طيبة ... إذا بغيتي تنامي ما يخالف".
- بالفعل أشعر أني بحاجة للنوم .
- آنا مثلك متعب ... سوف أنام فأمامنا سهر طويل .
- ولما السهر الطويل ؟ أيفعل ذلك كل من يتزوج؟
- لا بل من يبحث عن السعادة ... ومن يعرف طريقها.
- دعني أنام فبالكاد أفتح عيني وأقف على رجلي .
- نامي وأنا بجانبك نسيت أقول لك ... أمك أتصلت تطمئن عليك قلت لها أنك نائمة.
- ولماذا لم تدعني أكلمها ؟
- يجب أن تعتادي على طبعي آنا لا أحب أن يزعجني أحد في بيتي .
- ولكنها أمي!
- وليكن ... حتى أمي لا أريدها أن تزعجني ... نامي وخليني أنام
- بعمق نمت ... ولم أفتح عيني إلا قبل صلاة المغرب ... لم يكن هو بجانبي ، بحثت عنه في الحمام ... وفي الغرف الأخرى فلم أجده ... وسألت عنه الخادمة أجابت أنه خرج منذ ساعتين .
عدت إلى غرفتي أصلح من حال شعري ووجهي ... حاولت الاتصال بأمي وأخواتي أطمئنهم علي ، ولكن لم يكن هناك حرارة في هاتف المنزل .
غريبة … حائرة ... مرتجفة . أحاسيس متضاربة كانت تصرخ بداخلي ... أين أنا ؟ وماذا فعل بي أهلي ؟ وأين هو زوجي ؟ الذي لا يناسبني غيره في هذه الدنيا يا الهي ... كم أنا حزينة .. لا أجد من أشكو إليه وإحساس فضيع ... قاس ... بالغربة اجتاحني ... وأفكار مخيفة اكتسحت أمامها فرحتي .
ساعة أخرى، وحضر "محمد" وبدأ ينادي "نورة" بأعلى صوته وهو يطلع السلم وصولا إلى غرفة النوم أين أنت ألا تسمعين ندائي؟
- نعم سمعت ولكنك تنادي بشكل متواصل ولا تترك لي فرصة الرد وها أنت وصلت.
- ماذا تلبسين؟ فستان !ما شاء الله بدلي .. بدلي هذا الفستان وزيني وجهك وفكي ربطة شعرك وتعالي .. ما أتيت به اليوم لن يفعل بك ما فعله شراب الأمس..أنا جالس هنا أجهز الطاولة لا تتأخري.
- ذهبت وتزينت ... وأطلقت سراح شعري تاركة خصلاته تنسدل بهدوء واستحياء
على كتفي.
رآني عن بعد قفز من مكانه صارخاً: كل هذا الجمال لي؟.. سوف أعلمك يانورة كيف تسعدين معي بهذا الجمال سوف أجعلك تكبرين كل يوم سنتين لتقتربي مني أكثر ولا تترددي … ولا تستحي … والأهم من هذا إن تشعري بنشوة الحب والحياة .
- تعالي إلى جانبي ... اقتربي مني أكثر .
- أنا قريبة منك ألان … ولكن لا تقل لي أن أجرب أنواع شرابك .
- لا اليوم سوف تجدينه أقل حرارة ... فقط جربي ... هل تتصورين أن زوجك يريد
أن يضرك؟
- أهو مختلف اليوم؟
- كثيراً، فقط جربي جرعة أكبر .
- إذا لم يعجبني ؟
- سوف ترين أنه سيشعرك بالانتعاش .
- حملت الكوب بين يدي وألقيت به في جوفي مرة واحدة …
انتابني حالة من السعال المتواصل … ورغبة في التقيؤ .. الصراخ … الاستغاثة ومع ذلك بقيت مكاني مكبلة بطوقين من عظم ولحم ... وفي انتظار ما يفعل ... إنه يأكل ... ويشرب … ويدخن في نفس الوقت وبنهم غريب ... ساعتان وأنا وهو على هذا الحال ... مكبلة… وهو يأكل ويشرب ويدخن وكما حدث بالأمس ... خف الطوق حول كتفي شيئاً فشيئاً ولكني حينما حاولت التحرك تنبه ... وصرخ قائلاً … ابقي مكانك … ولا تفسدي الليلة علي دعيني أشرب وتفرجي فقط .
وشرب زوجي .. حتى لم يبق في الزجاجة التي أمامه شيئاً، حاول أن يناديني بصوت عال ... وأنا بجانبه ... حاولت أن أنبهه أنني أحاول الهرب منه ... تحرك بسرعة نحوي .. تراجعت محاولة الإفلات منه، فكان أن أمسك بي بكل قوته وجرني قائلاً:
- من تظنين نفسك ... أتهربين مني ؟ غبية، خبلة . تعالي لأريك كم أنت صغيرة
وجميلة.
انهال علي ضرباً .. و ركلاً .. إلى أن فقدت الوعي و كان له ما أراد دون مقاومة مني . وجاءني الصوت الحاني من بعيد .. ليعيدني إلى وعيي:
- نورة حبيبتي .. عسى ما أذيتك سامحيني … أعتذر لك وسوف أجهز لك الفطور .
وهكذا نقضي الليل بين شرابه ذي الرائحة الكريهة وسيجاره المثير للقرف ثم تبدأ معاناتي بين ضرب وركل ... وتحقير ومن ثم امتهان للكرامة يأخذ أبشع الصور، وأهلي لا يدرون عما يحدث لي ... أسكنوني قصراً ... وزوجي رجلاً محترماً وغنياً ووقوراً .. وغيابي عنهم لابد وأن يكون مبرراً ... فالرجل يريد أن ينفرد بعروسه.
شهور مرت ... نهاراً أخضع للتحقيق، لم وضعت هذا اللون الأحمر على شفتيك ؟ ولم لا تعقصين شعرك، وهذا الثوب لا يناسبك ... اغسلي وجهك واعقصي شعرك وبدلي هذا الثوب فهو يناسب الأطفال ... فقد نسي زوجي كما نسى أهلي أني مازلت طفلة.
فعلت برضى ما أمرني به فهو رجلي وأنا قليلة حيلة ... وخبرة ... اعتقدت أن هذا هو حال كل الرجال ... مر عام على زواجي ... تزوجت خلاله شقيقاتي ... كنت ممنوعة من زيارتهما فزوجي لا يحب حكي الحريم ... ومن وجهة نظره أن " حرمة ممكن تفسد حرمة حتى وإن كانت شقيقتها ... وذات يوم ضحكت أختي بخبث، وأشارت إلي بقع على ذراعي، ظناً منها "أن تلك العلامات ماهي إلا صكوك عشق" وقعها زوجي ... فقلت لزوجي ملاحظة أختي طالبة منه أن يشفق علي، وأن يرحمني من عذابات كل ليلة فقال بل سأرحمك من تعليقات أختك.
كم تغيرت في هذا العام … حين قال لي سوف أجعلك تكبرين في كل يوم سنتين، لم يكن مازحاً … بل كان جاداً ويعي ما يقول. أحاط بي الهم من كل جانب ... وسكنني الحزن. وأصبحت سفنه تبحر في شراييني ... لم أعد تلك الطفلة التي تحلم بالفرح، ولا بفك الضفائر وتلوين الشفاه وتسعي لتحقيق آمال بالسعادة... وترنوا إلى الاستقرار.. ولكن يبدو أن القدر لم يكفه ما أصابني وحدي بل أراد أن يكون لي شريك من لحمي ودمي يقتسم معي الألم.. ويعيش معي المعاناة، رغم متاعبي اليومية ... ونزفي الدموي الذي لا يتوقف... أخبرتني طبيبتي أنني حامل في الشهر الثالث، أربكتني المفاجأة ...أخافتني
- هل" أستطيع"؟
هل أستطيع أن أكون أماً وأنا منهوكة القوى ومنهكة الكرامة؟
رباه .. ساعدني .. فأنا أضعف من ذلك بكثير.
رباه دلني على طوق نجاة ينقذني من الغرق الذي أنا فيه استعنت بالله ... وصبرت وحدثت زوجي في صباح يوم، رأيت مزاجه بخير ... فرح وهلل ووعد أن يكون أباً صالحاً ... ومنذ اليوم سوف يعود مبكراً ولن يسهر خارج البيت ... وأن يكون زوجاً حانياً.
تفاءلت خيراً .. ودعوت الله صادقة أن يصلحه لي ... ولابنه الذي أحمله بين أحشائي.
ولكنه عاد في المساء وهو يحمل في يده أدوات الاحتفال بالخبر ... كميات أكبر من الشراب .. وأخرى من السيجار، وبدأ احتفاله الشخصي طوال الليل، وأنا قابعة في غرفة أخرى بعيدا عنه، وفجأة رأيته يسير متحاملاً على نفسه، ودخل الغرفة التي أجلس فيها، وطلب مني أن أغلق الأبواب وكان يتحدث بصعوبة ، وكلامه غير مفهوم وتقاسيم وجهه غريبة، وكأنني أراه لأول مرة ... مشيت بهدوء، ولكني لم أقفل الباب ، بل خرجت منه مسرعة إلي غرفتي، وأغلقت الباب على نفسي، وطلبت من أخي على الهاتف أن يأتي إلي بأقصى سرعة. لم يلحق بي .. لم يناديني .. لم يصرخ طالباً مني العودة ... حمدت الله أن أعطاه الهدوء عل أخي يصل في الوقت المناسب. أخي الأكبر الذي كان أكثر اقتراباً مني يحاول الاطمئنان علي في كل ليلة… ويسألني عن أحوال محمد وأحكي له ماذا يأكل وماذا يشرب ويدخن، ثم ما ينالني من عذاب بعد كل ما يفعل ويطلب مني أخي الصبر والدعوة له بالهداية ... طال انتظاري لأخي ... ولم يناديني زوجي .. عله عاد ليكمل حفله الخاص بالشراب..
يا إلهي … أين ذهب أخي ؟ إن بيتنا ليس ببعيد … هل أصابه مكروه؟ هل أتى بالفعل ؟ وجلس مع محمد يهدئ من حالته ... نعم قد يكون هذا ما حدث وإلا لماذا تركني لحالي ... لماذا لم يصر على جري من شعري ... وركلي برجليه وسحق كرامتي بألفاظه كعادته؟
- نورة...
الحمد لله هذا أخي
- أخرجي وألبسي عباءتك وتغطي.
- خير إيش فيه؟
- معاي جماعة .. أدخلي المجلس إلى أن تأتي أمك وأخواتك .
- ولم أمي وأخواتي .. ماذا حدث؟
- انتظري .. سوف أعود إليك وأمك وأخواتك في الطريق.
قبل أن يكمل عبارته سمعت أصواتاً غريبة .. وبكاء مكتوماً وضجة في الطابق الأول لم أعرف سببها .. فتحت باب غرفتي لتتلقفني أمي بين ذراعيها قائلة :
- الله يعينك يا ابنتي .. عين وأصابتك وسعادتك استكثرها عليك الناس .
- ماذا حدث .. ما يبكيك .. ماذا أتي بك؟
أبي هو الآخر هناك .. على باب غرفتي وعيناه تمتلئان بالدموع ..
- اصبري يا ابنتي .. أعلم أن المصيبة كبيرة كان يرحمه الله رجلاً طيباً ولم يقصر
في واجبك يومياً.
يرحمه الله – من محمد ماذا حدث ... ولم هذه الضجة… والشرطة… و …
تحدث أخي قائلاً بحزن وهو يأخذ رأسي بين يديه.
- أعلم يا حبيبتي أنك تعذبت كثيراً ... وتألمت كثيراً وصبرت أيضاً كثيراً ولم تشركي أي منا بكل ما قسيته من عذاب ولكني وحدي دون غيري من الأهل كنت أعلم أن محمداً مدمن على الخمر ... ومن ثم دخل إلى شرك المخدرات حتى وقع فريسة لها . ولم أكن أريد أن أوضح لك حالة زوجك كنت أنصحه … أحاول التأثير عليه ... أبعده عن طريق الشر والأشرار، ولكنه كان يجري مسرعاً نحو النهاية. والليلة شرب كميات كبيرة من الخمر وزاد عليه جرعات من المخدر الخطير، فلم يستطيع تحمل ذلك ومات.
يا إلهي ... متى أخرج من نفق الأحزان ؟ ومتى أعيش عمري الذي ضاع؟ وسقطت مغشياً علي، وحين أفقت كنت قد فقدت الطفل الذي كان في أحشائي كما فقدت أبيه.
بقيت في بيتي ..
أغسل وجهي.. وأغطي شعري الأسود بغطاء أكثر سواداً لبست الأسود ، ولو كان بيدي، لكنت لطخت وجهي بالسواد على ضياع أمسي .. ويومي ... وغدي.
ولكني لازلت أتساءل..
أي مشوار على الشوك ذاك الذي مشيته؟ وما الذي دفعني إلى الخوض فيه ومن .. من الذي سرق فرحتي واغتال … طفولتي ؟
أهلي بجهلهم ؟ أم زوجي بقسوته وضلاله؟







التوقيع :
كل شيء مسموح به الا الغدر ...

حسابي بتويتر : Lino_818@