عرض مشاركة واحدة
قديم 29-10-07, 05:18 PM   رقم المشاركة : 2
أبو سالم
عضو برونزي
الملف الشخصي






 
الحالة
أبو سالم غير متواجد حالياً

 


 

[align=right]

15 ـ دلت الأمثلة المذكورة في الآيات أن الحياة الدنيا تخدع من يركض وراءها، فانظر كيف خدعتهم في زينتها حتى أن أهلها ظنوا " أنهم قادرون عليها " وفي ليلة واحدة أنكرتهم وتبدلت لهم بوجه آخر لا مقارنة بينه وبين السابق، فمن بعد ذلك يطمئن لها ويرضى بها؟!

16 ـ تلك الآيات تجعل المسلم يعرف مع من يتعامل، فهو يتعامل مع " فان، زائل، زينة، زخرف، هشيم، تذروه الرياح".

وهذه هي حقيقة الحياة الدنيا، فمعرفة ذلك يعطي المسلم تصوراً في طبيعة التعامل مع الطرف الآخر، فلا يحزن لفوات شيء منه ولا يتبع نفسه لحصول آخر.

17 ـ الأمثلة المذكورة تجعل المسلم يعرف كيف يتعامل مع الحياة الدنيا، فيتعامل معها كما يتعامل مع أي زينة أخرى.

18 ـ تصوير تلك الأمثلة للحياة الدنيا بصفاتها وتغريرها يخرج من قلب المؤمن الحب لأجلها والبغض لأجلها، وهذا الأمر من أصول العقيدة فيجعل المحبة خالصة لله وفي الله وبغضه أيضاً لله وحده - سبحانه -.

19 ـ الأمثلة تربي النفس على التفكر والتدبر وقياس الأمور بعضها على بعض، ولذلك ختم الله الآيات بقوله - تعالى -: "لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".

20 ـ من تأمل هذه الأمثلة المضروبة عن الدنيا تهون الدنيا بعينه رغم كنوزها وأموالها وأرضها وجميع ما فيها إلا ذكر الله وما والاه.

21 ـ لا مقارنة أبداً بين الدنيا والدار الباقية دار السلام " الجنة "، ومن تأمل النصوص ظهر له ذلك جلياً، فمثلاً:

أ ـ قال - صلى الله عليه وسلم -: "موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها" رواه مسلم.

ب ـ قال - صلى الله عليه وسلم - عن الحور العين: "ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" رواه مسلم.

ج ـ قال - صلى الله عليه وسلم -: "يؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا فيصبغ في الجنة صبغة، فيقال: هل مر بك بؤس قط؟ فيقول: لا، والله ما مر بي بؤس قط" رواه مسلم.

والأدلة الصريحة بذلك كثيرة فضلاً عن الأحاديث التي تذم فيها الدنيا.


22 ـ الآيات تربي في النفس المسلمة الحذر من الحياة الدنيا ولو ضحكت وأقبلت، ما دام الأصل تقلبها وتبدلها، وزينتها فانية.

23 ـ الأمثلة المذكورة تجعل المسلم يسير على طريقة تجار الصحابة كعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وملخص هذه الطريقة:

"أنهم لا يفرحون بما أتى ولا يحزنون بما فات".

فيعمل المسلم ويتاجر ويكدح ويجمع الأموال، لكنها تجتمع في يديه دون قلبه، ولذلك لا يحزن لفوت شيء منها ولا يفرح باجتماعها؛ لأنها لم تدخل قلبه، فضلاً أن يوالي لها ويعادي، ويغضب ويرضى لأجلها.


24 ـ الآيات المذكورة تبين أن الحياة الدنيا جميعها لا تساوي أن يعصى الله لأجلها فما بالك ولذة المعصية المزعومة جزء لا يذكر من الحياة الدنيا، فتصور ذلك يقلل شهوة الحصول على المعصية وهو أمر مقصود شرعاً.

25 ـ الله خلق الحياة الدنيا لعباً ولهواً وزينة، هذا من حيث الأصل فجاء الشرع فوظفها التوظيف الحسن وجعلها مزرعة للآخرة يتسابق فيها أهل الإيمان، ويتنافس فيها المتنافسون، فإذا كانت الآخرة حصدوا ما بذروا، وسروا بما رأوا من فضائل ربهم.

26 ـ الله جعل الحياة الدنيا لهواً ولعباً، والعرب تطلق على ـ المرأة والولد والنكاح والمال ـ لهواً كما ذكره ابن منظور، وكل هذه الأمور من مكونات الحياة الدنيا، بل من شهواتها كما قال - تعالى -: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ" (آل عمران: من الآية14).

27 ـ جاء ذكر "متاع" مقترناً بذكر الحياة الدنيا كثيراً في القرآن مما يدل على أن حقيقتها أنها متاع، كما قال - تعالى -: "إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ" (غافر: من الآية39)، وقال: "وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ" (الرعد: من الآية26)، وقال: "قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ" (النساء: من الآية77).

28 ـ الآيات التي صورت الحياة الدنيا ذلك التصوير تربي المسلم على التوازن في حياته، وبيان ذلك كما يلي:

قررت الآيات أن الدنيا فانية متاع زائل لا قيمة لها، لا تطلب ولا يركض وراءها.

ومع ذلك جاءت آيات تحث المسلم على العمل والكدح وطلب الرزق والضرب في الأرض.

فهذان الخطابان يربيان في المسلم كيف يوازن بين الأمور والأدلة، فيعيش في الحياة الدنيا ويطلب رزقه ومع ذلك لا تدخل الدنيا قلبه ولا يتعلق بها.

29 ـ المثال المذكور في الآيات لم يأت معقداً صعباً لا يدركه إلا خواص الناس أو العلماء، بل جاء واضحاً بيناً سهلاً يدركه حتى الأعرابي في باديته؛ وذلك لأن القصد تبصير الناس بحقيقة الدنيا، فكان المثال " ماء، ثم زرع، ثم هشيم، ثم تذروه الرياح".

30 ـ الآيات المذكورة فيها دليل لمذهب أهل السنة والجماعة في إثبات أن لفظ السماء قد يراد بها العلو وليس بالضرورة أن يقصد بها السماء المعروفة، ولذلك في حديث الجارية التي سألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أين الله؟ قالت: في السماء" رواه مسلم.

مرادها العلو كما في الآيات المذكورة؛ لأن المطر ينزل من الغيث كما في آية سورة الحديد، والغيث في العلو.

31 ـ الناس مع الأرض الخضراء على أنواع مختلفة:

فمنهم من يلهو ويلعب فقط.

ومنهم من يغتر بظاهرها وينسى أنها ستفنى ويرجع إلى ما كان عليه حالها قبل الغيث، ومنهم من يريد أن يأخذ جميع زينتها فمن دوحة إلى دوحة، ومن خضراء إلى أخضر فلم يستقر في مكان وضاع عليه الوقت ولم يتمتع المتاع الحقيقي من تلك الزينة.

ومنهم من تلذذ بمتعتها وأدى حق الله فيها من عبادته وشكره فجمع بين الدنيا والآخرة، وكذلك الناس بالنسبة للحياة الدنيا: منهم من "يريد الحياة الدنيا وزينتها".

ومنهم من فتنوا بها حتى قالوا: "يا ليت لنا مثلما أوتي قارون".

ومنهم من "يحسبون أنهم يحسنون صنعاً".

ومنهم من قالوا: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".

وهم أفضل الأصناف أدوا حق أنفسهم وحق الله - سبحانه وتعالى-.


أسأل الله أن يعيذنا من فتنة الحياة الدنيا، وأن يغفر لنا تقصيرنا، إنه ولينا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[/align]







رد مع اقتباس