السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
,
سبحان الله..
تمر بنا الأحداث والإبتلاءات في أكثر من مكان وعلى اختلاف قلوبنا وأوطاننا , وخلال فترة زمنية
متقاربة جداً.. وكأنَّ الباري سبحانه يتودد إلينا, فينادي قلوبنا بها لتستفيق, فنصبح ونمسي قلبا واحدا,
لكنا نستقبل أقداره بكثير من جحود, فنشكتي الأقدار, ونلقي باللوم على الآخرين, مستبعدين أنفسنا
أن نكون أحد أسباب البلاءات التي تصيبنا , ثم حين يأتي البلاء فينا أو حولنا, فأكثرنا لا نهتم بأوجاع
من حولنا كما نهتم بأنفسنا,
,
فإلى متي يحمل أكثرنا الإسلام إسماً , فندّعي الأخوّة في الدين , والإنتماء للوطن ومحبة أهله , ونظهر
استعدادنا لمساندة المتضررين فيه, ونبتسم لمن نسميهم أشقاؤنا وجيراننا, وحقيقة كثير القلوب وقت
الشدائد, ما بين منشغل بحاله, أو لا مبالي, أو متفرج ومشمّت, أو متفلسف ومستنكر, أو متأثر للحظات
بدراما الحدث, ثم باستمراره أو تكراره ينام قلبه, وتزهد عينه حتى من مشاهدة مستجداته , ثم يتثاقل
لسانه عن الدعاء..!!
وقد تصم الأذن بشيءٍ من ضيق القلب عن المتابعة, وكأنّ ما يسمعه ويراه هو أحداث فيلم درامي
يسأم تكرار مشاهدته, فيغلق شاشته ليبحث عن شيء يبهج الروح ويؤنس القلب, وكأن ما يحدث لا
يمت له بصلة من قريب أو بعيد,
وهكذا حال الكثيرين الغير متضررين, ينشغلوا عن إخوانهم سريعا بدنياهم الخاصة ومصالحهم فيها,
لماذا ؟؟
؟
لأن مَن هذا حاله ليس متضرراً على الحقيقة ,,,
لأنه لم يصارع فجعة الغرق في سيل الأمطار, ولم تجبره الأحداث على المبيت في خيمة أعِدت لإيواء
المتضررين... ولأنه لم ينم في بيت غير بيته بعد وداعه مُرغماً لكل ما كان يتمتع به في مملكته الخاصة,
ولم يبكي غرق كسبه وقوت أهله أمام عينه, ولم يفر من الموت تاركا وراءه وثائقه التي تثبت هويته ,,
ولأنه ليس ممن تجرع ذل مطالبة دولته بحقه في الحياة الكريمة في بلده, ولم يعاني من استصراخ أبنائه
للقيام بحقوقهم عليه في توفير حوائجهم ومتطلباتهم, وربما لم يعاني يوما من عدم قدرته على شراء
علاج لإبنه أو نفسه,,
وربما لأنه يرى في نفسه استحقاق العيش في سلامة وأمن لامتلاكه ما يحقق له ذلك,, غافلا أن الأقدار
أتت من هم أشد منه وأبادتهم,,
...
كيف هكذا نغفل أن الأقدار قد تأتنا فجأة من حيث لا نعلم بما يُذهِب عنا ملذاتنا ومحبوباتنا, وأنه كما دارت
بغيرنا تدور علينا !! والدلائل فينا ومن حولنا تنطق كل يوم بهكذا وأكثر,
ألم تنحصر المضرة بالأمس القريب في أربعة أحياء بجدة, ويتنعم القائمين بالأحياء الأخرى باستقرارهم
وأنسهم ؟
ثم ونحن في أمننا متنعمين مستبعدين تكرار المأساة, ينهار السد المشيّد لحجز المياه, لتلتقي مياهه بمياه
الأمطار الغزيرة, فيكونوا سيلا يجرف معه الجماد والحيوان والإنسان!! ويتضرر بهذا أكثر من عشرين
حيّ, كانت بالأمس بعيدة عن أحياء المتضررين سابقاًإ بما فيهم حي الحمراء وما شيد فيها من قصور!!
!
ألم يستقبل الكثيرين بكل هدوء انقطاع الكهرباء عن بعض أحياء جدة لمدة ساعات متواصلة وقت اختبارات
نهاية العام وبأشد الأيام حرارة!! ثم ها هي اليوم تنقطع مع سيول المطر عن أكثر من ستون ألف بيت ,
لا يزال بعضا منهم حتى الآن يعيشون في ظلام وتعطيل لأجهزتهم الكهربائية؟؟
سبحان الله الذي يقلب القلوب بأقداره ليردهم إليه,, ولكن أين المتفكرون المحسنون الظن بالرحمن,,
كان البلاء بالأمس انقطاع كهرباء .. مذاكرة بأيام الاختبارات على ضوء الشموع.. حرارة شديدة بالجو..
واليوم انقطاع كهرباء.. سيول .. خروج من البيوت هربا من الغرق وطلبا للنجاة ..
@ سمعت بعضا ممن لم يتضرروا بأمطار العام الماضي ولا بانقطاع الكهرباء يقولون:
(( ليس من سمع بالأمس كمن عايش المأساة اليوم )) . (( الله يغفر لنا,, كنا نسمع ولكن بقلوب لم تعايش
الحدث, وكنا في حياتنا ملتهون,, واليوم عشنا سيل المطر وانقطاع الكهرباء ساعات طويلة ))
. . .
في لحظة واحدة, انقلب الحال على من فيه, بين مفجوع ومحجوز, وسابح لبيته وميت غرقا, وغير معلوم
أمره ولا مكانه ,,
ورغم هذا, فكثيرين من غير المتضررين تأثروا قليلا بالحدث ثم انشغلوا بحياتهم وما يبهج قلوبهم ,,
والبعض يهزأ بما يحدث لإخوانه بالدين والجوار ويتشمت فيهم لدسائس في قلبه تجاههم, ولا يعلم أنه
يعادي نفسه ويظلمها قبل أن يهزأ ويشمت بغيره,,
فكيف هكذا تصدع القلوب وخلو الكثير منها من الرحمة والرفق بمن حوله,؟؟
كيف يبكي الكثيرين منا وحولنا وننشغل نحن بأحسن طبخة وأجمل فنانة, وأرقي ديكور, بل وتحترق قلوبنا
على نتائج المباريات أكثر من احتراقنا على من صارعوا الموت وفقدوا بعضا من أهاليهم, ثم لا نلقي باللوم
على أنفسنا لحظة, ولا نعتبر أنفسنا سببا لهذا البلاء ونغتر بستر الله وحلمه وصبره علينا,,,
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
......
هل ما يجري من أحداث بنفس التوقيت في أمة التوحيد لا علاقة تربطه بأحداث غيره في الأمة ذاتها ؟
أم أن فيها نداء رباني كله رحمة ولطف من العليم الحكيم سبحانه للقلوب لتستفيق وتنفر لنجاتها !!!
؟
,
(( ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما ))
......
اللهم أسألك النجاة وسلامة قلوبنا ,,
اللهم اغفر لي ولا تأخذ أحدا بتقصيري بحقك , أو بذنبٍ أذنبته في سري أو علانيتي ,
,
وأصلح يا رب قلوب من يدعونك ألا تأخذهم بما فعل السفهاء منهم,, اغفر لهم يا رب استبعادهم لأنفسهم من
السفه والذنب وتنزيه القلب المتراكم فيه ما أنت أعلم به منهم ,
,
ربي أصلح لنا قلوبنا وتولى الضعفاء والمقهورين منا في واسع رحمتك, وأيقظ قلوب المتنعمين في الأرض,
ولا تسلط يا ربنا علينا حكاما قساة جبابرة,, اقذف في قلوبهم خشيتك في السر والعلانية, ورد قلوبهم
إليك تائبة ,, فليس ما يحدث لنا ولأشقائنا في نفس التوقيت الزمني وليد صدفة,, بل هو قدرك الذي ترحم به
عبادك,, قدرك الذي تحررهم به من قسوة القلوب, وتستنقذ به الرحمة فيما بيننا والعودة إليك,
قدرك الذي تدعونا به للتماسك معا يدا واحدة, بقلب واحد وجسد واحد, يتداعى كله إذا اشتكى بعضه أو شيئا
منه,,
قلبا واحدا تطهَّر من أنانيته وغفلته بدنياه ليترفق بمن حوله من قلوب, ويحتويهم بجناح الذل من الرحمة ,
اللهم ردنا إليك قلبا واحدا يخشى عذابك,, ويرجو رحمتك وعفوك, ويسألك الجنة ونعيمها,
,
,
مع الشكر لكل من قرأ فلان قلبه برفق مع كل قلب مسلم في شدة من أمره ,,
همسة
26/صفر/1432
3.8 صباحا